الشتاء يختبر عزيمة أوروبا أثناء أسوأ أزمة طاقة منذ عقود

العواصم تتبى تدابير مثل تدفئة المناطق العامة عند الحد الأدنى المسموح وتعتيم المبانى

كان موسم الأعياد الحالى أكثر قتامة وبرودة فى جميع أنحاء أوروبا؛ حيث يتجمع المواطنون وسط أسوأ أزمة طاقة فى القارة منذ عقود، وتم تشغيل أضواء عيد الميلاد فقط لفترات محدودة، وتم خفض الحرارة فى المبانى البلدية بالعاصمة الفنلندية «هلسنكى» إلى 20 درجة مئوية، وهى أدنى درجة حرارة موصى بها فى الأماكن العامة.

وتركت ملاعب كرة القدم التى عادة كان تتم إذابتها طوال فصل الشتاء لتتجمد، بينما لن يتم استخدام حلبات التزلج على الجليد إلا فى درجات حرارة منخفضة عندما يتشكل الجليد بشكل طبيعى، وستتم إذابة الجليد فى وقت مبكر من الربيع.

وقالت آنى سينيماكى، نائبة رئيس بلدية هلسنكى، إنَّ استخدام الكهرباء كان أقل بـ9% فى نوفمبر الماضى، مقارنة بالعام السابق، وإذا كان الوضع يزداد صعوبة فقد يصل الأمر إلى غلق جميع حمامات الساونا.

وتفاقم الضغط على إمدادات الطاقة الأوروبية بشكل كبير فى فبراير؛ بسبب التخفيضات الدراماتيكية لتدفق غاز خط الأنابيب من روسيا إلى الاتحاد الأوروبى رداً على العقوبات الغربية لدعم أوكرانيا فى أعقاب الغزو الروسى.

وارتفعت الأسعار فى جميع أنحاء أوروبا، حتى لو انخفضت منذ الارتفاع الحاد فى أغسطس، خاصة أنه تم تخفيض قطاعات كاملة من الصناعة مثل مصانع الصلب والكيماويات، فى حين أنفقت الحكومات أكثر من 700 مليار يورو فى الإعانات والدعم المالى طبقاً لمركز الأبحاث «بروجل» ببروكسل.

وتظهر بعض البيانات من «يوروستات» أن فواتير الغاز المنزلى ارتفعت بشكل كبير فى جميع الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، البالغ عددها 27 دولة تقريباً فى النصف الأول من العام، وتحمل بعضها أكثر من ضعف تكلفة العام الماضى مثل إستونيا وبلغاريا.

وتعد هلسنكى واحدة من أبرد عواصم الاتحاد الأوروبى، ولكنَّ مواطنيها ليسوا وحدهم فى جهودهم لتوفير الطاقة والتكاليف، وحذرت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، من العام الحالى وأنه قد يكون أصعب من العام الماضى، وحثتهم على الاستمرار فى توفير الطاقة، وتبنى العديد من الأوروبيين هذه الرسالة، وأطفأوا الأنوار وأوقفوا التدفئة ليس فقط فى مواجهة الفواتير المرتفعة، ولكن أيضاً كمفهوم رمزى لدعم أوكرانيا.

وتقول إليزابيتا كورناجو، الزميلة البحثية الأولى فى مجال الطاقة فى مركز الإصلاح الأوروبى، إنَّ الجميع يتحدث عن تكاليف وفواتير الطاقة، ويريد المواطنون أن يروا الشركات والمتاجر والهيئات العامة توفر الطاقة تماماً كما يفعلون فى المنزل للحد من استهلاك الطاقة المرئى مثل الإضاءة العامة ولافتات المتاجر، ومن المحتمل ألا تحدث هذه الأشياء فرقاً كبيراً بشكل فردى، لكن الأمر يتعلق بمحاولة تجميع الكثير من التخفيضات الصغيرة نسبياً فى الاستهلاك.

وفى أبرد أمسيات شهر ديسمبر 2022، تجمع السكان وكبار الشخصيات المحلية فى مسرح من القرن العشرين فى جنوب بروكسل للحديث عن استخدام الطاقة، وكيف يتم تحفيز روح المجتمع فى محاولة لإسقاط الفواتير، وشرعت البلدية المحلية فى مخطط لتركيب الألواح الشمسية على سطح مدرسة قريبة ومشاركة أى طاقة لا يستخدمها الطلاب مع الشوارع المجاورة، وفى الاجتماع تم شرح المشروع والتحدث إلى الجمهور المتواجد عن كيفية التوفير فى فواتيرهم. وعبر كريستوس دولكيريديس، رئيس بلدية إيكسيليس، عن قلقه بشأن الأشخاص المشردين والمنظمات التى تساعدهم، خاصة إذا أصبح الشتاء أقوى مع درجات حرارة الأقل من الصفر.

وقالت أودرى لوست، عضو مجلس محلى مسئول عن المناخ والطاقة فى بلدية إيكسيليس، إنها قلقة بشأن أصحاب الدخل المتوسط الذين لم يستفيدوا من الدعم الحكومى.

وأضافت «لوست»، أن الأشخاص الذين يتقاضون رواتب جيدة ليس من السهل عليهم أيضاً أن يدفعوا الفواتير.

وأشارت «لوست» إلى أن بعض الناس يلجأون إلى الطرق القديمة مثل استخدام زجاجات الماء الساخن لتجنب تشغيل التدفئة، وأن الاتجاه واضح فى جميع أنحاء أوروبا على الرغم من الشتاء المعتدل.

وارتفعت مبيعات الملابس الداخلية الحرارية وكذلك استهلاك الشموع، التى قفزت بالفعل بأكثر من 12% على أساس سنوى خلال وباء كورونا، وفقاً لاتحاد مصنعى الشموع الأوروبية.

وتشير الاتجاهات لخفض استخدام الغاز فى جميع أنحاء أوروبا عند حوالى 15% فى النصف الثانى من هذا العام، ويقول هينينج جلويستين، مدير الطاقة والمناخ والموارد فى مجموعة أوراسيا، إنَّ الكثير من المدخرات قد أتى من «تدمير الطلب» بين المستخدمين الصناعيين الذين توقفوا عن الإنتاج، لكن هذا لا ينبغى أن ينفى جهود الأسرة والمجتمع.

وتتلقى ألمانيا أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز من روسيا منذ عام 2021، وتم ترشيح حملة حكومية منسقة لخفض استهلاك الطاقة عبر سلطات المدن، وتم تعتيم الأنوار فى المبانى العامة، وخفضت درجات الحرارة فى المرافق الرياضية إلى 17 درجة مئوية، وتم إطفاء الماء الساخن فى المبانى العامة، وخفضت تدفئة المبانى البلدية فى المدن الكبرى إلى الحد الأدنى.

أما فى فرنسا، فأصبح الوضع أكثر صعوبة؛ بسبب إغلاق ما يقرب من نصف أسطول الطاقة النووية للصيانة، وتقف المعالم الأثرية مثل برج إيفل وقصر فرساى الآن فى الظلام معظم الليل وواجهات المتاجر الفاخرة التابعة لمجموعة «إل فى إم إتش» مثل «لوى فيتون» فى الشانزليزيه، التى أصبحت الآن باهتة من حوالى الساعة 10 مساءً.

شاهد أيضاً

رئيس إيجاس: اجراء عمليات جدولة للمصانع المتعثرة

قال المهندس يس محمد رئيس الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية إنه بخصوص حوافز الصناعة فقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *