تسبب شح الدولار ونقص المعروض في مصر، بارتفاعات قياسية لأسعار سلع استراتيجية في الأسواق، حيث تراوحت الزيادة في أسعار السكر والأعلاف والسجائر مابين 24% و50%، خلال أسبوع، بحسب جولة ميدانية قامت بها “الشرق” بعدد من محال التجزئة بالمدن والمناطق الرئيسية في البلاد.
تشهد مصر أزمة اقتصادية، دفعتها إلى تخفيض قيمة الجنيه 3 مرات، ما ساهم في ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى مستوى قياسي بلغ 36%، ورفع أسعار جميع المنتجات تقريباً بشكل كبير.
تأتي الأزمة، رغم إطلاق الحكومة مبادرة الشهر الماضي لخفض أسعار 7 سلع أساسية بنسب تتراوح بين 15% و25%، تشمل السكر والزيت والعدس والألبان والجبن والمكرونة والفول والأرز لمدة 6 أشهر، لكن يبدو أنها لم تؤتِ ثمارها خاصة في سلع رئيسية كالسكر والسجائر والأعلاف التي لايكاد يخلو منها بيت مصري.
تترقب الأسواق عملية خفض جديدة بقيمة الجنيه، مع تشديد مؤسسات تمويل دولية على تطبيق مصر لأسعار صرف مرنة لحماية الاقتصاد. في أكتوبر الماضي، توقع صندوق النقد أن يسجل معدل التضخم في مصر 23.5% هذا العام مقارنة بـ8.5% العام الماضي، قبل أن يصعد إلى 32.2% في العام المقبل.
ارتفاع في أسعار السكر يصل إلى 50%
قفزت أسعار السكر، بما يتراوح ما بين 34-50% ليصل سعر بيع الكيلو للمستهلك من 45 إلى 47 جنيهاً مقابل 30 و35 جنيها الأسبوع الماضي، وسط اتجاه بعض التجار إلى تخزين السلعة وسط توقعات برفع الحكومة لأسعارها.
قال وزير التموين المصري، علي المصيلحي، لـ”الشرق”:”لدينا مخزون من السكر يكفي لأربعة أشهر حتى مارس المقبل، فيما يبدأ الموسم الجديد لإنتاج السكر في فبراير”.
عانت مصر خلال العام الجاري، من ارتفاعات قياسية لم تشهدها من قبل لأسعار سلع أساسية على رأسها السكر والأرز والبيض واللبن واللحوم والبقوليات والخضراوات والفواكه، مما ساهم في قفزة بمعدلات التضخم في المدن خلال أول 9 أشهر، قبل أن تتباطأ في أكتوبر الماضي، لتسجل 35.8% على أساس سنوي، بعدما بلغت في سبتمبر 38% وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. عزا عدد من أصحاب محال التجزئة لـ”الشرق” زيادة سعر السكر إلى نقص المعروض واتجاه بعض تجار الجملة لتخزين السلعة على خلفية التكهنات بزيادة سعرها الفترة المقبلة، مشيرين إلى أن المخزون لديهم سينفد قريباً.
يصل إنتاج مصر من السكر إلى 2.8 مليون طن سنوياً، بينما يفوق الاستهلاك 3.2 مليون طن، وتستورد الحكومة الفرق من الخارج بالتعاون مع القطاع الخاص.
رجت مصر خلال عام، عن 8.4 مليون طن أعلاف بقيمة 4.1 مليار دولار، بحسب أحدث بيانات وزارة الزراعة المصرية.
توقع مسؤول حكومي لـ”الشرق” حدوث انفراجة قريباً في أسعار الأعلاف بالتوازي مع قرب موسم “البرسيم” نهاية الشهر الجاري، حيث يُعتبر من أهم المحاصيل العلفية الشتوية.
قال ثروت الزيني، نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن في مصر، إن هناك كميات كبيرة من الأعلاف داخل الموانئ لكنها تحتاج إلى سيولة دولارية للإفراج عنها وضبط الأسعار.
يصل حجم الاحتياجات من الذرة والصويا في مصر إلى نحو مليون طن شهرياً. وبحسب وثيقة رسمية اطلعت عليها “الشرق”، انخفضت واردات مصر من الذرة في 10 أشهر، بنحو 32% عن العام الماضي، لتصل إلى 4.6 مليون طن. كما تراجعت واردات فول الصويا خلال نفس الفترة 57.7% إلى 1.4 مليون طن.
السجائر في قبضة السوق السوداء
تشهد مصر حالياً شحاً وارتفاعات قياسية في أسعار السجائر، وسط تخزين الموزعين والتجار للسلعة الأكثر شعبية في البلاد.
اعتبر هاني أمان رئيس الشركة الشرقية للدخان “إيسترن كومباني”، أن الأزمة بدأت منذ أغسطس الماضي، بعد أن شهدت السوق ارتفاعات كبيرة على خلفية تباطؤ إصدار تشريع بالتعديلات الضريبية على أسعار السجائر.
رغم موافقة مجلس النواب الشهر الجاري، على مشروع قانون لزيادة حصيلة القيمة المضافة المطلوبة في الموازنة من شركات السجائر، إلا أن الأزمة لم تنته بعد، وفيما زادت الشركة الإنتاج مرتين في الأسابيع الأخيرة في محاولة لكبح جماح الأسعار، بالتوازي مع إصدار الأسعار الرسمية للسجائر، إلا أن السوق السوداء لا زالت تسيطر على سعرها.
رفعت الشركة أسعار 11 نوعاً من السجائر الشعبية التي تنتجها بنسب تراوحت بين 12.5% و33%، ليصبح سعرها 27 جنيهاً بدلا من 24 جنيهاً، في حين تُباع في السوق السوداء بأكثر من ضعف سعرها، حيث يتراوح السعر ما بين 55 جنيهاً و60 جنيهاً.
لم تختلف الحال كثيراً بالنسبة للسجائر الأجنبية، حيث رفعت شركة فيليب موريس الأسعار بما يتراوح بين 8 و10 جنيهات، ليصل سعر العبوات الأكثر تداولاً ما بين 50 إلى 74 جنيهاً، بينما يتم بيعها في السوق أيضاً بأعلى من الأسعار المعلنة لترواح بين 85 و120 جنيهاً.
أصبحت الآن السجائر غير متواجدة بمنافذ البيع تحديداً الأجنبية، هكذا وصف محمد زهران الموظف بإحدى شركات البترول حال السوق لـ”الشرق”، مؤكداً أنه اتجه لاستخدام السجائر الإلكترونية والتبغ المسخن نظراً لاستقرار أسعارها عند مستويات 50 جنيهاً.
أمدّت “الشرقية للدخان” المدخنين المصريين بنحو 88 مليار سيجارة في العام المالي الماضي، مقارنة بـ94 مليار سيجارة في العام المالي 2022/2021، بحسب إفصاح للشركة.
أكد إبراهيم إمبابي رئيس شعبة الدخان باتحاد الصناعات المصرية، أن الحل الوحيد للخروج من الأزمة هو توزيع الشركات حصص السجائر على الأكشاك ومحطات البنزين دون اللجوء للحلقة الوسيطة وهي الموزعين والتجار، معتبراً أنهم سبب رئيسي في الأزمة.
تهدف موازنة العام المالي الحالي 2024/2023 إلى تحصيل 87 مليار جنيه كإيرادات ضريبية من صناعة السجائر، بزيادة 6 مليارات جنيه على موازنة العام الماضي.
فيما قال رائد محمد الموظف بإحدى الشركات الخاصة في القليوبية، إنه يفكر في الامتناع عن التدخين، أكد علي مصطفى من محافظة أسيوط، أنه يقوم بشراء السجائر بأسعار كبيرة جداً تزيد على سعرها الرسمي بنحو 50 جنيهاً في العلبة الواحدة.
ارتفعت أسعار مجموعة السجائر والدخان في سلة سلع المصريين، خلال أكتوبر الماضي، بنحو 0.70% على أساس شهري، و54.8% على أساس سنوي.