لم تمر ناقلة غاز طبيعي مسال واحدة عبر المضيق الذي يفصل بين شبه الجزيرة العربية وأفريقيا منذ 4 أشهر، مما يبرز التأثير الهائل الذي تركته الهجمات العنيفة في المنطقة على تجارة الطاقة العالمية.
كانت هناك عشرات الناقلات التي تعبر مضيق باب المندب كل شهر قبل تصعيد الحرب بين إسرائيل وغزة، لكن الهجمات التي يشنها المتمردون الحوثيون في اليمن أدت إلى انخفاض هذا العدد إلى صفر تقريباً منذ منتصف يناير الماضي.
تغيير اضطراري لمسار السفن
اضطرت السفن إلى تغيير مسارها والدوران حول أفريقيا لنقل الوقود بين حوضي المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، مما أجبر المشترين على التعامل مع مجموعة محدودة من الموردين ما لم يكونوا على استعداد لدفع تكاليف شحن أعلى. والنتيجة هي أن السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال أصبحت تعاني من التفتت بشكل متزايد.
قال باتريك دوغاس، رئيس تجارة الغاز الطبيعي المسال في شركة “توتال إنرجيز”، خلال مؤتمر صحفي أقيم الشهر الماضي: “الآن أكثر من أي وقت مضى تتشتت مسارات نقل البضائع في الحوضين، ونقل البضائع من حوض إلى آخر يزداد صعوبة من الناحية الاقتصادية”.
مهمة حماية البحر الأحمر التي “لا تحتمل الفشل” ليست ناجحة
كما يضطر التجار لإرسال الشحنات إلى مواقع أقرب لمكان إنتاجها لتوفير تكاليف النقل. ويرجح تزايد هذا الاتجاه عندما يرتفع الطلب على الوقود قبل الشتاء المقبل، وهي الفترة نفسها التي تصعد فيها تكاليف الشحن عادة.
تبديل وجهات الشحن
من بين الحلول المطروحة لهذه الأزمة تبديل وجهات الشحنات، فعلى سبيل المثال، يجري توجيه شحنات الغاز الطبيعي المسال الأميركية إلى أوروبا مع إيجاد إمدادات مماثلة في آسيا للوفاء بالالتزامات التعاقدية مع المشترين هناك.
وفي الربع الأول من عام 2024، وصل معدل شحنات الغاز الطبيعي المسال القطرية التي انتهى بها المطاف في آسيا إلى أعلى مستوى منذ عام 2017 على الأقل، فيما شحنت روسيا مزيداً من الوقود فائق التبريد إلى أوروبا، وفق بيانات تتبع السفن التي ترصدها بلومبرغ.
كان البحر الأحمر وقناة السويس يستحوذان في السابق على 10% تقريباً من التجارة العالمية المنقولة بحراً، ويزودان قطر بأقصر طريق إلى أوروبا، التي أقبلت على شراء شحنات الغاز الطبيعي المسال بعدما فقدت تدفقات خطوط الأنابيب الوافدة من روسيا.
وتؤدي المسافات الأطول التي يتعين على السفن قطعها الآن إلى تقليص عدد الناقلات المتاحة، وتضيف 4% إلى الطلب العالمي على شحن المنتجات النفطية والغاز، وفقاً لشركة “كلاركسون ريسيرش سيرفسيز” (Clarkson Research Services)، وهي وحدة تابعة لأكبر شركة لسمسرة السفن في العالم.
على بعد آلاف الأميال، تراجعت أيضاً معدلات العبور في قناة بنما بعدما أدى الجفاف غير المسبوق إلى عرقلة حركة العبور هناك. وبذلك، أُغلق مسار آخر أقصر لنقل شحنات الغاز الطبيعي المسال الأميركية إلى آسيا.
قال دوغاس، من شركة “توتال إنرجيز”، إن عراقيل الشحن قد تكون هيكلية، لأن الزيادة المتوقعة في إمدادات الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد الحالي قد تفاقم الأعباء التي يعاني منها المسار البحري.
كان البحر الأحمر وقناة السويس يستحوذان في السابق على 10% تقريباً من التجارة العالمية المنقولة بحراً لكن الحصة تراجعت بشدة الآن
حتى الآن، ماتزال تكاليف استئجار الناقلات اليومية مرنة، بل وانخفضت منذ تصاعد الاضطرابات في البحر الأحمر خلال يناير الماضي. وينبع ذلك من توافر إمدادات كبيرة في أسواق مثل أوروبا، التي شهدت طقس شتاء معتدلاً واستهلاكاً صناعياً ضعيفاً للوقود.
لكن رغم ذلك، نبه بير كريستيان ويلوك فيت، المدير والرئيس العالمي لقسم الغاز الطبيعي المسال في شركة “فيرناليز” (Fearnleys) لسمسرة السفن إلى “أن تلك الفترة تشهد عادة أكبر قدر من تقديم الخصومات والعروض في سوق الغاز الطبيعي المسال، مع انخفاض الطلب على الغاز والسفن”.