جاءت الأزمة العالمية الأخيرة للطاقة معبرا عنها بارتفاع اسعار النفط لمستويات سعرية قياسية بعد قيام منظمة أوبك باتفاق مع حلفائها من أصحاب المصالح النفطية وعلي رأسهم روسيا بتقليص حجم المعروض من النفط بما يقل عن حجم الطلب العالمي لتخلق سوقا احتكاريا دون اتخاذ موقف حازم من المؤسسات الدولية المسئولة عن عدم الاحتكار السلع اي كانت .
الغريب في الأمر جاء انحراف أسعار الغاز الطبيعي عن أسعار النفط بشكل حاد وغير توافقي مع أسعار النفط كطببعة العلاقة الأبدية منذ البدء في التوسع في استخدام الغاز الطبيعي بديلا للنفط ومشتقاته علي مستوي العالم..
أسعار النفط قبل الانهيار السعري في ابريل ٢٠٢٠ كانت تتراوح حول ٦٤ دولار للبرميل لخام برنت القياسي خلال عام ٢٠١٩ لينحدر الي ما دون الصفر في ابريل ٢٠٢٠ ليرتفع حاليا ليصل لمستوي ٨٦ دولار لتصل الزيادة في أسعار النفط حاليا مقارنا بمتوسط عام ٢٠١٩ الي معدل زيادة ٣٤٪ .
أما الزيادة الأخيرة لأسعار الغاز الطبيعي فجاءت غير منطقية دون ادني توافق مع معدلات زيادة النفط وخصوصا لاسواق اوربا واليابان ودول شرق اسيا المعتمدة علي استيراد الغاز الطبيعي المسال فلقد كان سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي المسال لاسواق اوربا وآسيا خلال عام ٢٠١٩ ما يوازي ٩-١٠ دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية ولكنه بلغ مؤخرا عند ذروة الأزمة الحالية لمستوي ٤٤ دولار لينخفض مؤخرا لمستوي ٢٥ دولار للمليون وحدة حرارية لاسواق المانيا و٣٢ دولار لاسواق واليابان وكوريا عند مستوي ٨٢ دولار لخام برنت القياسي.وبالتالي بلغ معدل الزيادة السعرية ٢٥٠٪ لاسواق اوربا و ٣٢٠٪ لاسواق اليابان وكوريا .
معدلات الزيادة السعرية للغاز الطبيعي والتي فاقت كثيرا معدلات زيادة النفط خلال ذات فترات المقارنة اعطت مؤشرات كثيرة أهمها ارتفاع معدلات الاعتماد علي الغاز الطبيعي في معظم دول العالم سواء اوربا وامريكا وآسيا والشرق الأوسط علي حساب النفط ليتوج الغاز الطبيعي علي عرش الطاقة بشكل عام …كما أظهرت المؤشرات عدم قدرة بدائل الطاقة الجديدة والمتجددة علي دخول منافسة حقيقية في مجال الطاقة واستخداماتها ..
جاء اعتماد معظم الدول الصناعية علي الغاز الطبيعي في العديد من الاستخدامات المرتبطة بالصناعات التحويلية كصناعات البتروكيماويات والأسمدة وخلافة كما جاء الاعتماد علي الغاز الطبيعي وقودا بديلا المازوت والسولار في توليد الكهرباء ووقودا للافران وخلافه كنوع من أنواع الحفاظ علي البيئة من التلوث علي اعتبار أن الغاز الطبيعي صديقا للبيئة …
والآن ما الموقف القادم لسوق الغاز الطبيعي …هل جاء الضغط الروسي علي اوربا وألمانيا بالذات للتوقيع علي اتفاقية نوردستريم٢ لتوريد الغاز الطبيعي بكميات مضاعفه في ظل اعتراض امريكي بالضغط علي المانيا لعدم التوقيع …المتوقع إقرار الأمر وتوقيع الاتفاقية…فهل بعد التوقيع ستعود الأمور لطبيعتها التعاقدية للاتفاقيات طويلة الأجل وكذلك للشحنات الفورية التي شهدت الطفرة السعرية الأخيرة والتي كانت ترتبط بمعادلات سعرية ربطا بسعر النفط والتي كانت تحوم حول ١٤٪ من سعر خام برنت القياسي ام سنشهد معادلات سعرية جديدة للغاز المسال تصل إلي مستويات ٢٥- ٣٠٪ من سعر النفط …
موقف أسعار الغاز الطبيعي الحالي موقف في مجمله عشوائي لم تتضح معالمه حتي الآن فالتغير السعري حاد وغير منطقي والدليل بلوغ سعر المليون وحدة حرارية من السولار منخفض الكبريت ١٦,٥ دولار فقط منخفضا عن الغاز الطبيعي بمقدار في حدود ١٠ دولار وهذا يمثل انقلاب في اسس التسعير العالمي للمنتجات البترولية وهذا يدفع المنشأت الصناعية ومحطات توليد الكهرباء لاستغلال السولار بديلا للغاز الطبيعي لتوفير أموال طائلة ويدفع قطاع البترول لتصدير الغاز مسالا بديلا لاستخدامات محلية صناعية سواء ذات ربحية عادية أو ربحية متعاظمة بقيم مضافة متعددة مع التعويض فالمكاسب عظيمة مع تصدير الغاز مسالا ، وبالتالي فإن القائمين علي العمل في سوق الغاز الطبيعي سواء فيما يخص اتفاقيات البحث والاستكشاف والتخزين والتداول واسعار التصدير والاستيراد وجدوي المشروعات التنموية في مجال الغاز الطبيعي يواجهون حاليا تحدي صعب في ضوء توقعات غير مرئية وفي حالة عدم وضوح الرؤية.